وجـــه آخـــر


وجـــه آخـــر

أطرقت .. أغلقت جفنىَّ ، تعلقت بالسحاب ، كل شئ مستجاب إلا دعائى . العذاب أقطره لحظات من ونس ، ها هو ذا يعود .. يلتهم افكارى من جديد كالنار ، يبسط كفيه يحتوى خلجاتى ، ينفض الغبار عن ذاكرتى يفتح قفص الحريم ويطلق سراحى أقص عليه كابوسا ينتابنى فى ليالى الممتدة ، أرى أن للبشر أنيابا ومخالب وعيونا تجرح عذريتى لهم صوت يُسمع (همْ همْ) يلهثون خلفي وأنا أركض ، أطرق كل الأبواب المنغلقة فجأة أجد قفصا حديديا مفتوحا ، أدخل ، يغلق بقفل ذهبى مرصع بالماس أصرخ ، يبتل الشعر الصابئ حول الرقبة أزيحه بصعوبة أمسح حبات العرق ، أرشف قطرات من ماء ، أستعيذ بالله ، أقرأ ما احفظه من أدعية وأغمض عينى وقلبى يدق ، حتى يغفل جفنى . قالت أمى :
- بيت العدل إن شاء الله .
أذكر سخريتك منها :
- أمك تريدك فى قفص الحريم .
أمازحك :
- وتكون أنت السجان .
تهاجمنى عيناك تباغتنى يداك بقبضة تعتصر معها قلبى الملهوف..
- لن أكون سجانا لك أول لغيرك أعلمك الحرية. أن تكونى نفسك لا ما يرسمه لكي الآخرون ، الحب لا يحتاج لقالب يتجمد به ، الحب حرية وأنا حر وأنت حرة فلماذا مذاق الرق نرشفه نتلذذ به كأسا موروثا !!
- وماذا بعد الحب ؟
- لا شئ ، نحيا ، نكسر القيود ، نستنشق السعادة ، أرفض الحدود. فكانت كلماته تعتقل أفكارى، تروضها ، فأصبح صلصالا بين يديه يصنع منه عقلا تمرح فيه معتقداته وتنمو وأروج لها بين حنايا القلب فأكون حمامة زاجلة تمارس الحرية المرسومة لها بهدف ، كثيرا ما واجهته برفضي لأفكاره وشعارات الحرية المسجونة بين شفتيه . لكنى أعود أرشفها من فوقها بسعادة وقناعة .
تزوجت صديقاتى ، أنجبن ، وأنا أدور فى فلكه حذرتنى أمى:  فاتك قطار الزواج ، لا خيار لك فلتقبلى أول طارق يأتى كفاك عنادا يا أبنتى . أنهمك فى عملى أروج لأفكاره أقنع نفسى: ليس الزواج ما أبغى ولا الأولاد من يخلدون أسمى بل عملى نشر أفكارى كسر قوالب الجمود ووثن التقاليد.
ضمتنى أمى لصدرها :
- إن كان يحبك فليتزوجك وإن كانت إمكاناته ضعيفة لا بأس أيامك تنسلت هاربة لن تعود .
همست له بما قالته أمي فجاء رده صلفا جارحا :
- تريدين بيتا واولاداً وعلاقات تئد الحب الذى بيننا تتحولين لامرأة عادية تصرخ طوال اليوم بطلبات وأتحول لثور يدور فى ساقية.
أمسك لسانى عن الكلام ، تفحصته ضمنى تحت ذراعه ، يمشى ينساب الكلام منه يخدرنى :
- ماذا ينقصنا لنكمله بالزواج ؟! الأولاد أنت تكفنيي الجنـ ……
أسكته معتذرة لضرورة إنصرافى ، عدت أجر خيبة أملى ، مع أول عاصفة من أمى ، وافقت على أول رجل طرق بابى حملنى لقفص الزوجية ، رصع يدى بأسورة ذات قفل ماسى ، ضحكت أمى :
 - حلمك تحقق مبروك . حاولت نسيان الماضى لم أسع لسماع شئ عنه ، تجنبت أماكن لقائنا تركت عملى وبلدى ، تفرغت لزوجى ، سافرت معه حاولت أن أفهم كلامه ، يختلف عما يجرى فى دمى من معتقدات لكنى أبدا لم أئتلف مع وجودى فـى قفص الحريم ، كنت أختنق يعذبنى حنان زوجى ، تقتلنى ابتساماته ، تسامحه ، إغداقه علىَّ أزداد ابتعادا وإعياء حملنى لأشهر الأطباء لا تفسير سألنى فى حنان أبوى مشفق علىَّ :
- هل تريدين أطفالا ؟ تستطيعين ذلك لو خضعت لبعض العلاج لقد سألت وعرفت أنك بحاجة لتنشيط فقط عفوا حبيبتى فى مثل سنك فرصتك ضعيفة لكن ليست معدومة .
صرخت بوجهه أريد !! واعتقل لسانى ثقل لم أستطع النطق حاولت ، فشلت ، أنه ثقيل ممسك بقيود من حديد فى مؤخرته ، صدرى يختنق يضمنى فراشى تلفظنى ضلوعى سهام الشك فى عيون زوجى تعصف بما يحيطنى .
اقترحت أمى أن أسافر معها حتى تتحسن صحتى رحبت بى حبات رمال الاسكندرية تراقص الموج اللعوب لعودتى نادتنى كل الأماكن كى أبحث عنه ، عادت أفكاره تنبض من جديد ، خفقات القلب تعزف كلماته سألت كل الشواطئ عنه ، في لحظة مجنونة كحبى ذهبت إليه فى عنوانه الذى أذكره . حذرنى من الذهاب إلى هناك فوالده رجل رجعى عنيف لا يهم نظرة من عينى الملهوفة ستجعله يرفق بى ، طرقت الباب ، انتظرت يا لطول الانتظار مر عمر بكامله أنتظر أن يفتح هذا الباب ، جاء صوت ناعم يهمس .
- نعم من بالباب ؟.
- أ أ أنا .
فتحت سيدة تبدو ريفية رقيقة الملامح ، كشفت وجهها بعد ما تأكد لها أنى امرأة لعلها أخته نعم هى تقاربه فى الشكل .
- عمرو موجود ، أنت أخته تشبهينه كثيرا أأنا نهى زميلته فى العمل وكنا
-  تفضلى هو ليس موجودا .
جلست حائرة وضعت غطاء رأسها بجانبها لها شعر أسود كستائر ليل ذكرنى بطلب عمر أن أطلق لشعرى الحرية ، أتركه طويلا هائما ، عابثا فوق ظهرى قطع تفكيرى صوت طفل ينادى ماما وهو يلتصق بها ، همست أمه :
- سلم على "طنط"
-  يشبه "عمرو" لا بل هو كم عمرك ؟
-  خمس سنوات .
- لماذا لم يخبرنى عمرو عنك قبل الآن ، أنت جميل جدا ممكن أخذ قبله ؟
- حضرتك تعرفى عمرو منذ متى ؟! نحن أبناء عمومة وتزوجته بعد تخرجه ، أنجبت له محمود ومنى لكننا لا نعرف أصدقاءه له طبع خاص …لا يحب اختلاطنا كثيرا بالناس و نزلت كلماتها كصاعقة هشمت عظامى لم أعد أسمع سحابة بيضاء حجبتهم عنى لم أنتبه إلا وهو يصطدم بي داخلا من باب بيته نادى بصوت مندهش :
- نهى ماذا ماذا جاء ؟ !!
حملقت فيه ، استدرت ، لم أسقط من طولى ، لكن سؤالا سقط على رأسى كجبل كيف عشقت هذا الرجل ؟؟؟