علامــــات
صرير الباب يتسلل إلى أذنيها ، تفتح عينيها ـ ينظر إليها بعتاب ولوم .. يدير ظهره ، ينصرف عنها تنتفض من فراشها خلفه ، تستوقفه .. تدير وجهه إليها .. يثور .. تنهار ابتسامتها .. تتكور داخل نفسها ، تتساءل فى صوت محتضر .
ـ ماذا هنالك يا أبى .. بعد غياب تجيئنى بهذا العبوس ؟!
ـ صرت كبيرة يا إبنة عمرى .. تثورين .. تخطئين .. وتنسين .
ـ أثور نعم ، أخطئ يجوز ، لكن .. ماذا نسيت يا أبى ؟
ـ ما علمتك إياه : الحنان .
ـ علمتنى أطيع الزوج ، أذوب ، أنمحى ... وينبذنى ؟!
إذا لم أكن بلا معالم تميزنى عنه ، سيتوق لمن تخالفه الرأى ، تشاركه الحوار .
ـ نسيت دروسى وعلاماتى على عقلك .. تصرفاتك لا تروقنى !
ـ لماذا تحاسبنى ؟ علمتنى الأمانة والبراءة فى غير محلها !!
ـ الفجر ابن الليل .. لما نخطئ ونبرر الأخطاء ، لم أعلمك الهروب والضعف.
ـ لا أهرب ، أحلم بطريق يختارها عقلى ، أخط ملامحها بأفكارى .. أدوسها برغبتى وإن تشققت قدماى وخضبتها دماء الاختيار .
ـ أفيقى ... الاستمرار فى الحلم يميت الحياة ؛ فلتذبحى حلمك وتعودى لما نقشته فوق صفتحك البيضاء .. عودى لزوجك .
ـ أبى .. ذراعى تؤلمنى ، لا تجذبنى هكذا .
ـ إذاً تعالى معى هيا .
ـ لا .. لا .
ـ أنت هجرت الطبع الطيب وتنكرت لكل عهودى معك .
ـ لا .. لم يحدث .. إنى أتجانس مع زمنى أتعايش مع رغباتى .
ـ تعالى معى حيث لا كذب ، لا ضياع .
ـ لا .. ستعاقبنى ، ستخاصمنى ، أرجوك كبرت على العقاب ، فك قيودى .. أمح علاماتك من عقلى كى الحق يوم بحياتى .
أدار ظهره .. خرج مغرورق العينان .
ـ أبى .. أبى ..
ـ فيم صراخك يا حبيبتى ؟!
ـ أمى .. أبى غاضب منى يريد عقابى لانى تركت بيت زوجى .. هل أنا مخطئة ؟!
ـ أنت تحلمين ؟! أبوك ميت منذ عامين .
ـ لا رأيته الآن يجلس هنا ، يلبس بذلته السوداء ، جذبنى من ذراعى انظرى أثر يديه .. لا لم يمت رأيته .
ـ أفيقى هو ميت .
أمعنت النظر فى أمها .. امتدت يداها ، جذبت سلسلة مفاتيح ، ركضت تطوى السلم ، غاصت قدماها فى التراب .. تعثرت .. قاومت .. وصلت لباب المقبرة ، فتحت ، دخلت ، انتصبت أمام القبر الصامت الجاثم فى هيبة مكتوب فوقه ( توفى يوم ... سنة ... ) للفقيد الرحمة .. همست :
ـ هل أنت ميت ؟!
****