رحيـــل البنفســج


رحيـــل البنفســج

من غرفتى إلى غرفة المعيشة إلى شرفتها الواسعة ، تراصت أصص الزهور ، أتحسسها بيدى أعيد ترتيبها ، أداعب عود الياسمين الصغير وهو يشب ليقبل السماء ، ابتسامات الريحان وشقاوة القرنفل ، أسقيها .. أمسح بأطراف أصابعى صفرة أوراقها .. لا تمسح .. أبحث عن إصيص البنفسج .. أرى شظاياه أسفل الشرفة .
هرولت إليه حملت شذرات البنفسج .. مازال يتنفس .. وضعته فى كوب ماء أتأمله  أداعبه .. أهدئ من روعه . تغيب ملامح الشرفة من عينى .. أسمع صوت حكاياتى .
* * * *
كنا صغاراً تحتوينا الفرحة تضمنا وقلت أنى أحب زهر البنفسج ، سألتنى عيون براءتك لم البنفسج ؟!
أذكر يوم أمطرت ، رفعت حقيبتك فوق رأسك وجريت تسبقنى ، خبأت حقيبتى فى (مريلتى) احتميت بمدخل أحد الأبنية ، كفكفت السماء أمطارها ، عدت وبيديك الغضتين مسحت وجهى :
ـ هل تحبين المطر ؟
ـ نعم .. وزهر البنفسج .
ـ (ضاحكاً) البنات تحب الفل .
مشينا نحمل أعوامنا العشرة ، تدحرج لى (دبشة) أعيدها إليك ، نشترى الأيس كريم تذيقنى وأذيقك .. قلت لك :
ـ سأصبح طبيبة .
قلت لى :
ـ وأنا .. كعمى المهاجر .
هبطــت عصفورة صغيرة على إصيص الفل .. تنبهت لها ، مددت يدى ، طارت بعيداً .. بعيداًً .. لم أعد أراها .. وطرت معها فى الغيم هنالك .. صرنا الآن شباباً رسمتنى أنثى تتربع فى قلبك رسمتك رجلاً يحتوى كل مشاعرى .
نتسابق فوق الرمال .. تقول :
ـ حلمنا أجمل من أفلام الغرام ..
ـ احلم بالأطفال .. وبالطو الطبيبة الأبيض ، تهمس فى أذنى :
ـ أغار عليك من المرضى .
أنسلت هاربة من بين عينيك :
ـ سأطبب أطفالاً .
ـ أنا سأصبح .. رجل أعمال ، سألعب بالمال كعمى فى أمريكا .
ـ وأنا .. ؟!
ـ فوق الأحلام .
وأخذتنى فى قبلة ما ذقت يوماً مثلها فى كل احلامى معك ، وسألتنى :
ـ مازلت تهوين البنفسج ؟
هززت رأسى .. أهديتنى إصيص زهر البنفسج .. أرويه ، يكبر لبيتنا ..
تهبط العصفورة الصغيرة .. أمد يدى إليها ..
أصابعى تسيل منها عصارة البنفسج وبقايا أوراقها الصريعة بين أناملى .. تطير العصفورة بعيداً بعيداً .. ناحية الغرب .. أردد مع نفسى : لن تعود هذه المرة ..

****