رجولـة أنــثى


رجولـة أنــثى

إقترب من فراشى ركع على ركبتيه ربت فوق ظهرى يوقظنى ، تماديت فى نومى ، لأقتنص المزيد من الحنان ، داعب خصلاتىالمنفلتة فوق الوسادة تعانقها فى شوق لملمها بين يديه طرحها فوق وجهى ابتسمت واستدرت .. طوانى الفراغ تباعدت جدران الحجرة ، انتفضت :
أين ذهب ؟ !
أضأت الأنوار بالمنزل .. أكان حلما : شعرت بأنامله تتسلل ، تخترق صدرى تهدهد قلبى ، الساعة السابعة صباحاً .. أين ذهب هذا الرجل.. ألا يتخلص من عاداته تلك ؟! .. نعم .. أنه فى العمل سيعود فى الواحدة ظهراً ، سأرتب المنزل .. أغير من هيئتى قليلا .. أضع المساحيق .. أرتدى هذا الفستان .. أقدم له وجبته الشهية : طاجن البمية ، إنه يحبه كثيرا .. الساعة تقترب من الواحدة .. لو يتأخر قليلا حتى أنتهى من كل شىء .. لم أرتدِ .. ولماذا ألهث هكذا؟! أنسيت ما يفعله بى ؟ ! بالأمس أشاح بوجهه عنى وأنا أبتسم له أقص عليه حكايات حفيده الصغير قال لى :
                 -لاتسخفى كلام الطفل وهل يتحدث بهذا الخبل ؟ ! أردف : أين وضعت أزرار قميصى ؟ ثم عاد وأختبأ داخل صمته منى ، حتى طهوى لم يعد له طعم .. سألته يوما :
                 -ماذا تغير .. أنا من تطهو منذ خمسة وعشرين عاماً !!
                 -ملحك زائد .. كبر السن أصبح ينسيك ..
                 -ماذا أيضاً ؟
                 -لم أعد أطيقك .. كالكابوس أصبحت ..
ضاحكته حابسة غيظى .. لكنك مازلت حلمى ..
                 -حلمك فى تعذيبى !!
.. بل كيف احتملته أنا .. لم يفاجئنى يوما بقطعة ذهب تشرح صدرى
.. لم يدخل على بشوشا .. ويخبرنى اليوم بأننى كابوس .. يعيشه منذ خمسة وعشرين عاماً ..
نسى سهرى على أولاده حتى كبروا .. صبرى على نذقه وإضطراب فكره .. ثوراته .. عجرفته على أهلى وأقاربى ..
بعد إنسحاب الشباب والنضارة يواجهنى بالبغض .
أنا عصبية قليلا .. لا بل كثيراً منذ شهر صرخ بوجهى : أخشى أن أستيقظ يوماً فأجدك تحلقين ذقنك .. لو اشتريت رابطة عنق أشعر أننى واجب على أن أشترى لرفيقى فى المنزل مثلها!!
                 -ومن سلب أنوثتى ؟! ألست انت ؟
                 -أنه تسلطك .. حربك الضروس للطبيعة لتزحزحينى عن مكانى ومكانتى يبدو لِى أنكِ قد نجحتِ .. أشعر فى بعض الأحيان أننى تحولت لإمرأة وأحيانا أرانى صورة رجل تعلقينها للتبرك بها فقط!!
لو أتخذت قراراً .. تصدرين عكسه فوراً أمام الأولاد ..
                 -أنت كاذب .. هل نسيت إهاناتك لى أمام أهلك ، جرح مشاعرى فى أدق اللحظات الناعمة ، سخريتك من سمنتى .. وتخبرنى مراراً أننى (أشخِر) .. لن أنسى عينيك تلتهم ‘‘ شريهان‘‘ فى رقصة لها فى المسرحية وأنت تقول :
ما أروع أن يمتلك الرجل إمرأة ترقص على دقات قلبه بقد نحيف ونظرت لوجهى وكأنك تنظر لقرد ...
دقات على الباب .. أفقت .. هرولت نظرت من العين المسحورة :
البواب يحمل قمصانه من الكواة ..
                 -أنا أيضاُ مذنبة كم مرة طلب قميصاً جديداً واتكاسل عن شرائه أنه لايشترى لنفسه شيئاً ويعتمد على .. ويوم طلب منى بيع ربع البيت الذى أملكه لسداد دينه .. جاء ردى قاسياً :
                 -ربع البيت أضمن لى منك !!
راتبى كنت أصرفه على نفسى أو أحتفظ به بالبنك .. أتذكر نظرته يوم مددت يدى بقائمة لمصروفات البيت وقلت له :
                 -إضطررت لصرف مائة جنيه من جيبى .. أريدها ..
كل أزماته فى العمل كنت متفرجة لا أشارك فيها وكل أفراحه أنأى بنفسى عنها !!
أعلم أنه يكره الصوت العالى .. ولا أخفض صوتى ..
أشطح فى غضبى وأتجاوز أحياناً حدود الأدب وأسبه بأبشع لفظة ترك البيت مرات بسببها .. أرهقته كثيراً .. أعترف ..
هجمت عليه فى الشركة وجدته يجلس مع سكرتيرته الحسناء يضاحكها رتبت أحداث الخيانة فى ذهنى .. وقمت بطردها .. كان ينظر لى فى ذهول وفى المنزل تشاجرنا مددت يدى بلطمة على وجهه أمام الأولاد..
نظر تجاه أولاده فى إنكسار ينفطر له قلبى الآن ..
الآن فقط أدركت لماذا لم ينظر لى وحمل غيظه وقهره وترك المنزل عندما حكيت لخالتى ماحدث قالت :
      - لاأدرى لماذا يسكت عنك .. ياأبنتى ترفقى به ، على أيامنا كانت المرأة تستحى أن ترفع عينيها فى زوجها وإن كانت قليلة الحياء مثلك فعلى الأقل لاتجرؤ على رفع يديها .. ماذا حدث هل تمسكين عليه ذلة ؟! ..
صرخت بها .. نعم إنه خائن ...
أقسمت خالتى أننى مريضة عقلياً وأن القيامة ستقوم غذاً .
                 -ياخالتى إنه استفزازى كل يوم وبعد كل مشاجرة يجلس فى الشرفة فى الظلام ويدير المسجل على ‘‘ فات الميعاد‘‘ مثل المراهقين و ...
                 -ياه .. لماذا أذكر هذا الآن أنتهت المشاجرة وتأسفت وعاد .. حتى أننى قبلت يده ورأسه أمام الأولاد .. من منا لم يخطىء.. ألم يطلقنى بعد عام من زواجنا لولا أننى سقطت مغشياً على ولولا حماتى وبكاؤها لأجل حفيدتها الوليدة ما أعادنى لعصمته..
أنفض      الذكريات عن رأسى .. اليوم بداية جديدة سأتحول لأنثى أعد له ما يحبه من طعام .. أرتب له ثيابه ، استحم بالعطر وأتنشف بالنور مثل ‘‘ فيروز‘‘ .. سأتحول اليوم لإمرأة كما يريد :
ألبس فستانى الأسود يدارى سمنتى حتى أرى بشأنها حلا ، أترك شعرى مجنوناً يعربد فوق ظهرى ، يحبه هكذا ، سأضع أغلى العطور ، أخضب أظافرى .. لقد أوحشنى .. هل أقبله عندما يعود .. لا سأكون طبيعية .. لكننى أشتاق لأن يضمنى لصدره، أننى أتوق لرائحته منذ سنوات لم يضمنى بحنان كنت أنام بجواره، أتحسس ظهره فى شوق إليه ولم نكن غاضبين متخاصمين ، ينام يُشخر .. عندما تلتف يداه حولى وأنا نائمة التفت إليه متلهفة فإذا به يغط فى النوم ولو أفاق للحظة يسحبها وكأنه ندم على فعلته ...
الساعة تدق الرابعة عصرا .. لماذا تأخر ؟ .. هرولت إلى التليفون لاأحد بالمكتب !! لعله عند ابنته .. اللعنة !! هل كل التليفونات اليوم لاتجيب ؟ .. هل خرج مع سكرتيرته الجديدة .. لن أرحمه إن فعلها .. دقات على الباب .. هرولت ..
                 -منى .. أهلا حبيبتى .. كيف حالك يا أمى " باكية"  لماذا لم تتصلى بى لتخبرينى بما حدث ؟!
أرتمت على مقعد خلفها .. بينما تجمدت مكانى :
                 -هل حدث شىء تكلمى .. بحلقت البنت ذاهلة :
                 -هل هناك أبشع من أن يطلقك أبى ؟ .. ‘‘ لكن‘‘ .. لعلك سعيدة ... فأنت متزينة وتعيشين حياتك على ما يبدو .. وأبى المسكين يحترق لقد سافر اليوم لن يعود إلا كل عام ليرانى لماذا؟ ولماذا الآن !
                 -أبعد مرور تلك السنوات هل انتظرتما زواجى لتفعلاها : هل تحملتما لأجلى .. أجيبى ياأمى لماذا تصمتين ؟!
دخلت حجرة نومى حملت قمصانه بين ذراعى ضممتها تشممتها لاتحمل رائحته إنها رائحة المكواة .. فتحت دولابه ، ليس به ملابس ، بحثت عن بيجامته ، ليست موجودة كيف لم ألحظ هذا منذ الصباح ؟!
أخذ كل شىء يحمل رائحته .. حتى الرائحة بخل على بها ..
ضممت القمصان لصدرى ، رقدت فوق السرير .. أدرت المسجل على شريط أم كلثوم " فات الميعاد" ...
* ***
نشرت بكتاب الجمهورية يونية 2...