حبــات التــوت


حبــات التــوت

عاد يضرب بعصاه الأرض ، تنبت شجراً مثمرا من فاكهة الجنة ، لحيته الدائرية تكمل استدارة الوجه القمرى وثياب بيضاء وعمامة أفك أطرافها .. أعبث بشاربه .. يضحك :
شيبة جدك يابدر ..
اسمى ليس بدرا ..
يتركنى .. يغيب ، أنتظره مع الغروب بين الأعمدة الرخامية ، تطول ، تشق السماء ، أدور حولها ، لاأستطيع احتواءها بين ذراعى .
تناسب شموخ منزل جدى ، يبسط الكلب العجوز عنتر ذراعيه ،
شاب ولايجرؤ أن يدخل من بين الأعمدة للدار .
أنتظر الجد ، يَمٌد منديله الأبيض الناصع بحبات من التوت الأحمر ، يٌطعمنى ، يتمتم :
‘‘ بسم الله الذى لايضر مع اسمه شىء فى الأرض ولا فى السماء ‘‘
شبعت ياجدى ...
كلى يابدر ، لن تجدى من يحضر لك توتا بعدى ..
لماذا ؟! أين ستذهب ؟!
هناك ...
هل تأخذ معك التوتة ...
يضحك ، ترقص الشجيرات ، يستدير القمر ، أخطف عصاه :
كيف تجلب التوت ؟!
أصعد إليه .. لايهبط إلى ..
أخطف منديله المعبأ .. أجرى .. تجزع قدمى .. يهرول يحملنى فوق كتفيه فى خفة ابن العشرين ، يطوى حارات البلده :
أين ذهب الناس يابدر، سأطببك بنفسى ..
يجلسنى فوق الأرض يبسط كفيه يقرأ فيهما ، ‘‘ يملس‘‘ فوق القدم يقبلها تُسقط عينيه دمعة ساخنة ..
رائحة التوت تفوح من المنديل الآن ، وأنا أخرجه من صدرى ..
أجلس فوق كرسى الجد .. أراقب .. الجده تركض خلف جرو فى الدار..
تجرأت القطط والكلاب منذ مات عنتر ..
نظرت للأعمدة الرخامية وجدتها تغوص بالأرض ، تذوب كقطعة ثلج فى انكسار ، سحبت عصاة الجد ، جلست أمام الدار ..
لن يتجرأ بعد اليوم أحد .. لن نغلق هذا الباب ...

* * * *