البيت المهجور
منزل جدتى أركانه خربه ، مظلم يستولى عليه التراب ويمرح به العنكبوت بحرية ، شققت خيوطه بصعوبة لأصل إلى مفتاح النور ، أضأتُه.. ندمت .. تأكدت لى ميزة جديدة للظلام .. نظرت لصورة جدتى على الحائط .. بقايا من عز قديم فى ثيابها العربية الموشاة ومجوهراتها . تذكرت أقاصيص أمى وحكاياتها عن منزل جدتى وانتابنى الخوف لحظةٌ ثم لحظات ، سرت قشعريرة ببدنى ، أرتمى على مقعد وثير .. تمنيت لو غطانى التراب لعلى أتدفأ به أو لعله يخفينى عن أشباح الماضى .. فجأه دق جرس الباب انتفضت لم أدرِ كم مر من الوقت ؛ استجمعت ما بقى لى من شجاعه ، قمت أفتح الباب : العجوز جارة جدتى ، تبتسم ابتسامة بيضاء تخفف قليلاً من وحدتى . انحشرتْ فى الباب تجر باقى لحمها خلفها ، تترحم على جدتى:-
- كانت كريمة يا ابنتى ! ليتكم كنتم معها ، ما كان حدث ما حدث !!
ولم تعطنى فرصة للتساؤل .. أمسكت طرف الكلام ولا تريدُ أن يفلت منها ..
هجم فأر على منزل جدتك – وجدتك تخاف الفئران ترعبها ، تتقزز من شكلها – كان الفأر يعلم هذا بذكائه ويدرك أنه لم يكن يستطيع الاقتراب من هذا المنزل فى حياة أم الجدة..
يخرج بين الحين والحين لابتزاز جدتك ، تتكور فى مقعدها هذا الذى تجلسين فوقه ككومه بالية يتقطر منها العرق مغمضة عينيها وكأن أسداَ سيبتلعها .. ينال الفأر ما يريد.
- لماذا لم تتدخلوا ؟!
جاءت والدتك يوماٌ تحاول اصطياده دون جدوى ، ولأن والدتك ووالدك فى سفر دائم كان من الصعب أن تذهب جدتك لداركم ، اشترت جدتك مصيدةً وسموما للفأر .. فشلت فى هزيمته . اقترحت عليها جارتنا الجديدة تربية قطة ، وجارتنا الجديدة لا نعلم عنها شيئاً حتى سكنت بجوارنا . أخذت فى شراء شقق العمارة واحدة تلو الأخرى لم يبق غيرى وجدتك . أهدتها جارتنا قطة صغيرة وديعة وكانت الجدة كريمة تطعمها كل يوم طعاما مخصوصاٌ لتخلصها من العدوان الغاشم .
- والفأر نفسه طعام لذيذ للقطة !!
- كل يوم تكبر القطة ولم يختف الفأر ، والطعام يقل ومجهود الجدة أيضا يتضاءل ، والفأر الصغير المقزز مازال يبتز الجدة والقطة لا تفعل شيئا سوى الأكل والنوم . مرضت جدتك وخوى البيت من طعام القطة ، لم يبق إلا طعام جدتك ، لم تبخل به على القطة وجلست خاوية المعدة ، حتى يوم رأينا الجدة تربط يديها … ماذا حدث ؟!
- قالت جدتك :- لاشيء أضع الطعام للقطة عضتنى بأسنانها .
فى اليوم التالى وجدنا الجدة وجهها مخربشا مدمما ….؟!!
القطة كانت تريد النوم فى فراشى ، قفزت وأنا نائمة وخربشتنى . سمعنا صراخ الجدة فى المنزل وهى تجرى وتتعثر …!!!
ماذا حدث ؟!
لاشيء إننى لم أرب قطة إنها نمر … إنها نمر !!
جرت الجدة تهرب تركت المنزل للخراب ولم تعد ، الجارة صاحبة العمارة أخذت القطة ولا ندرى عن الفأر الأسود شيئاً وعشش الخراب الذى ترينه على المنزل. مالى أراك صامتة .. حتى أمك لم تقرب المنزل كانت خائفةَ ، أنت أول شخص يدخله منذ هروب الجدة .. هل تقيمين ؟ هل تبيعين للجارة صاحبة العمارة ؟ هل تتركينه خوفا من الفأر ؟ لعله لم يعد فأراٌ واحداً ..
نظرتُ للعجوز ذات الابتسامة البيضاء التى خففت من وحدتى . نظرت لبقايا العز وآثاره ، وصورة جدتى على الحائط بملابسها العربية التى قد تحار وأنت تنظر إليها ، وقد لا تعرف لملامحها جنسية غير أنها عربية .. هل أترك منزلها نهباً للفئران ؟ هل ألجأ للقطة النمرة ؟ أم ؟!
وجدتنى أسير نحو الشباك أفتحه .. يا الله لم يزل فى الخارج نهار ، ورأيت العجوز تنصرف وهى تبتسم تلك الابتسامة البيضاء .
****